فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (15):

{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)}
{هَؤُلاء} هو مبتدأ وفي اسم الإشارة تحقير لهم {قَوْمُنَا} عطف بيان له لا خبر لعدم إفادته ولا صفة لعدم شرطها والخبر قوله تعالى: {اتخذوا مِن دُونِهِ} تعالى شأنه {ءالِهَةً} أي عملوها ونحتوها لهم.
قال الخفاجي: فيفيد أنهم عبدوها ولا حاجة إلى تقديره كما قيل بناء على أن مجرد العمل غير كاف في المقصود، وتفسير الاتخاذ بالعمل أحد احتمالين ذكرهما أبو حيان، والآخر تفسيره بالتصيير فيتعدى إلى مفهولين أحدهما {ءالِهَةً} والثاني مقدر، وجوز أن يكون {ءالِهَةً} هو الأول و{مِن دُونِهِ} هو الثاني وهو كما ترى، وأيًا ماكان فالكلام اخبار فيه معنى الإنكار لا اخبار محض بقرينة ما بعده ولأن فائدة الخبر معلومة {لَّوْلاَ يَأْتُونَ} تحضيض على وجه الإنكار والتعجيز إذ يستحيل أن يأتوا {عَلَيْهِمْ} بتقدير مضاف أي على ألوهيتهم أو على صحة اتخاذهم لها آلهة {بسلطان بَيّنٍ} بحجة ظاهرة الدلالة على مدعاهم فإن الدين لا يؤخذ إلا به، واستدل به أن ما لا دليل عليه من أمثال ما ذكر مردود {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بنسبة الشريك إليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، وقد مر تحقيق المراد من مثل هذا التركيب، وهذه المقالة يحتمل أن يكونوا قالوها بين يدي الجبال تبكيتًا وتعجيزًا وتأكيدًا للتبري من عبادة ما يدعوهم إليه بأسلوب حسن؛ ويحتمل أن يكونوا قالوها فيما بينهم لما عزموا عليه، وخبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما السابق نص في أن هذه المقالة وما قبلها وما بعدها إلى {مّرْفَقًا} مقولة فيما بينهم، ودعوى أنه إذا كان المراد من القيام فيما مر قيامهم بين يدي الجبار يتعين كون هذه المقالة صادرة عنهم بعد خروجهم من عنده غير مسلمة كما لا يخفى، نعم ينبغي أن يكون قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (16):

{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}
{وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله} مقولًا فيما بينهم مطلقًا خاطب به بعضهم بعضًا. وفي مجمع البيان عن ابن عباس أن قائله يمليخا، والاعتزال تجنب الشيء بالبدن أو بالقلب وكلا الأمرين محتمل هنا، والتعزل عناه ومن ذلك قوله:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل ** حذر العدا وبه الفؤاد موكل

و{مَا} يحتمل أن تكون موصولة وإن تكون مصدرية، والعطف في الاحتمالين على الضمير المنصوب، والظاهر أن الاستثناء فيهما متصل، ويقدر على الاحتمال الثاني مضاف في جانب المستثنى ليتأتى الاتصال أي وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم الذين يعبدونهم إلا الله تعالى أو إذا اعتزلتموهم واعتزلتم عبادتهم إلا عبادة الله عز وجل، وتقدير مستثنى منه على ذلك الاحتمال لذلك نحو عبادتهم لمعبوديهم تكلف، ويحتمل أن يكون منقطعًا، وعلى الأول: يكون القوم عابدين الله تعالى وعابدين غيره كما جاء ذلك في بعض الآثار.
أخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وأبو نعيم عن عطاء الخراساني أنه قال: كان قوم الفتية يعبدون الله تعالى ويعبدون معه آلهة شتى فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله تعالى.
وعلى الثاني: يكونون عابدين غيره تعالى فقط، قيل وهذا هو الأوفق بقوله تعالى أولًا: {هَؤُلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} [الكهف: 15] فتأمل.
وجوز أن تكون ما نافية والاستثناء مفرغ والجملة إخبار من الله تعالى عن الفتية بالتوحيد معترضة بين إذ وجوابه أعني قوله تعالى: {فَأْوُواْ} أي التجؤا {إِلَى الكهف} ووجه الاعتراض على ما في الكشف أن قوله تعالى: {وَإِذَا اعتزلتموهم} فأووا معناه وإذا اجتنبتم عنهم وعما يعبدون فأخلصوا له العبادة في موضع تتمكنون منه فدل الاعتراض على أنهم كانوا صادقين وأنهم أقاموا بما وصى به بعضهم بعضًا فهو يؤكد مضمون الجملة.
وإلى كون {فَأْوُواْ} جواب إذ ذهب الفراء، وقيل: إنه دليل الجواب أي وإذا اعتزلتموهم اعتزالًا اعتقاديًا فاعتزلوهم اعتزالًا جسمانيًا أو إذا أردتم الاعتزال الجسماني فافعلوا ذلك. واعترض كلا القولين بأن إذ بدون ما لا تكون للشرط، وفي «همع الهوامع» أن القول بأنها تكون له قول ضعيف لبعض النحاة أو تسامح لأنها عناه فهي هنا تعليلية أو ظرفية وتعلقها قيل بأووا محذوفًا دل عليه المذكور لا به لمكان الفاء أو بالمذكور والظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، وقال أبو البقاء: إذ ظرف لفعل محذوف أي وقال بعضهم لبعض، وظاهره أنه عنى بالفعل المحذوف قال؛ وأقول: هو من أعجب العجائب. وفي مصحب ابن مسعود كما أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن قتادة {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} وقال هرون: في بعض المصاحب {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِنَا} وهذا يؤيد الاعتراض، وفي البحر أن ما في المصحفين تفسير لا قراءة لمخالفته سواد الإمام.
وزعم أن المتواتر عن ابن مسعود ما فيه {يَنْشُرْ لَكُمْ} يبسط لكم ويوسع عليكم {رَبُّكُمْ} مالك أمركم الذي هداكم للايمان {مّن رَّحْمَتِهِ} في الدارين {وَيُهَيّئ} يسهل {لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ} الذي أنتم بصدده من الفرار بالدين والتوجه التام إلى الله تعالى: {مّرْفَقًا} ما ترفقون وتنتفعون به، وهو مفعول {يهيئ} ومفعول {الكهف يَنْشُرْ} محذوف أي الخي ونحوه {وَمِنْ أَمَرَكُمُ} على ما في بعض الحواشي متعلق بيهيئ ومن لابتداء الغاية أو للتبعيض، وقال ابن الانباري: للبدل والمعنى يهيئ لكم بدلًا عن أمركم الصعب مرفقًا كما في قوله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [التوبة: 38].
فليت لنا من ماء زمزم شربة ** مبردة باتت على طهيان

وجوز أن يكون حالًا من {مّرْفَقًا} فيتعلق حذوف، وتقديم {لَكُمْ} لما مر مرارًا من الإيذان من أول الأمر بكون المؤخر من منافعهم والتشويق إلى وروده، والظاهر أنهم قالوا هذا ثقة بفضل الله تعالى وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه سبحانه ونصوع يقينهم فقد كانوا علماء بالله تعالى.
فقد أخرج الطبراني. وابن المنذر وجماعة عن ابن عباس قال: ما بعث الله تعالى نبيًا إلا وهو شاب ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب وقرأ {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم} [الأنبياء: 60] {وَإِذْ قَالَ موسى لفتاه} [الكهف: 60] و{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءامَنُواْ بِرَبّهِمْ} [الكهف: 13] وجوز أن يكونوا قالوه عن أخبار نبي في عصرهم به وأن يكون بعضهم نبيًا أوحى إليك ذلك فقاله، ولا يخفى أن ما ذكر مجرد احتمال من غير داع.
وقرأ أبو جعفر. والأعرج. وشيبة. وحميد. وابن سعدان. ونافع. وابن عامر. وأبو بكر في رواية الأعشى. والبرجمي. والجعفي عنه. وأبو عمرو في رواية هرون {مّرْفَقًا} بفتح الميم وكسر الفاء ولا فرق بينه وبين ما هو بكسر الميم وفتح الفاء معنى على ما حكاه الزجاج. وثعلب فإن كلًا منهما يقال في الأمر الذي يرتفق به وفي الجارحة، ونقل مكي عن الفراء أنه قال: لا أعرف في الأمر وفي اليد وفي كل شيء إلا كسر الميم، وأنكر الكسائي أن يكون المرفق من الجارحة إلا بفتح الميم وكسر الفاء وخالفه أبو حاتم وقال: المرفق بفتح الميم الموضع كالمسجد، وقال أبوزيد: هو مصدر جاء على مفعل كالمرجع، وقيل: هما لغتان فيما يرتفق به وأما من اليد فبكسر الميم وفتح الفاء لاغير، وعن الفراء أن أهل الحجاز يقولون: {مّرْفَقًا} بفتح الميم وكسر الفاء فيما ارتفقت به ويكسرون مرفق الإنسان، وأما العرب فقد يكسرون الميم منهما جميعًا اه. وأجاز معاذ فتح الميم والفاء، وهذا واستدل بالآية على حسن الهجرة لسلامة الدين وقبح المقام في دار الكفر إذ لم يمكن المقام فيهاإلا بإظهار كلمة الكفر وبالله تعالى التوفيق.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
{وَتَرَى الشمس} بيان لحالهم بعد ما أووا إلى الكهف ولم يصرح سبحانه به تعويلًا على ما سبق من قوله تعالى: {إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف} [الكهف: 10] وما لحق من إضافة الكهف إليهم وكونهم في فجوة منه، وجوز أن يكون إيذانًا بعدم الحاجة إلى التصريح لظهور جريانهم على موجب الأمر لكونه صادرًا عن رأي صائب وقد حذف سبحانه وتعالى أيضًا جملًا أخرى لا تخفى، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح له وهو للمبالغة في الظهور وليس المراد الأخبار بوقوع الرؤية بل الأنباء بكون الكهف لو رأيته ترى الشمس {إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ} أي تتنحى وأصله تتزاور بتاءين فحذف أحدهما تخفيفًا وهي قراءة الكوفيين والأعمش. وطلحة وابن أبي ليلى. وخلف. وابن سعدان. وأبي عبيدة. وأحمد بن جبير الأنطاكي. ومحمد بن عيسى الأصبهاني، وقرأ الحرميان. وأبو عمرو {تَّزَاوَرُ} بفتح التاء وتشديد الزاي، وأصله أيضًا تتزاور إلا أنه أدغمت التاء الزاي بعد قلبها زايًا، وقرأ ابن أبي إسحاق. وابن عامر. وقتادة. وحميد. ويعقوب عن العمري {تزور} كتحمر وهو من بناء الأفعال من غير العيوب والألوان، وقد جاء ذلك نادرًا. وقرأ جابر. والجحدري. وأبو بجار. والسختياني. وابن أبي عبلة. وردان عن أبي أيوب {تزوار} كتحمار وهو في البناء كسابقه، وقرأ ابن مسعود. وأبو المتوكل {تزوئر} بهمزة قبل الراء المشددة كتطمئن، ولعله إنما جيء بالهمزة فرارًا التقاء الساكنين وإن كان جائزًا في مثل ذلك مما كان الأول حرف مد والثاني مدغمًا في مثله وكلها من الزور بفتحتين مع التخفيف وهو الميل، وقيده بعضهم بالخلقى، والأكثرون على الإطلاق ومنه الأزور المائل بعينه إلى ناحية ويكون في غير العين قال ابن أبي ربيعة:
وجنبي خيفة القرم أزور

وقال عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه ** وشكا إلى بعبرة وتحمحم

وقال بشر بن أبي حازم:
تؤم بها الحداة مياه نخل ** وفيها عن أبانين ازورار

ومنه زاره إذا مال إليه، والزور أي الكذب لميله عن الواقع وعدم مطابقته، وكذا الزور عنى الصنم في قوله:
جاءوا بزوريهم وجئنا بالأصم

وقال الراغب: إن الزور بتحريك الواو ميل في الزور بتسكينها وهو أعلى الصدر، والأزور المائل الزور أي الصدر وزرت فلانًا تلقيته بزوري أو قصدت زوره نحو وجهته أي قصدت وجهه، والمشهور ما قدمناه، وحكى عن أبي الحسن أنه قال: لا معنى لتزور في الآية لأن الأزوار الانقباض، وهو طعن في قراءة ابن عامر ومن معه بما يوجب تغيير الكنية، وبالجملة المراد إذا طلعت تروغ وتميل {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ} الذي آووا إليه فالإضافة لأدنى ملابسة {ذَاتَ اليمين} أي جهة ذات يمين الكهف عنه توجه الداخل إلى قعره أي جانبه الذي يلي المغرب أو جهة ذات يمين الفتية ومآله كسابقه، وهو نصب على الظرفية.
قال المبرد: في المقتضب ذات اليمين وذات الشمال من الظروف المتصرفة كيمينًا وشمالًا.
{وَإِذَا غَرَبَت} أي تراها عند غروبها {تَّقْرِضُهُمْ} أي تعدل عنهم، قال الكسائي: يقال قرضت المكان إذا عدلت عنه ولم تقر به {ذَاتَ الشمال} أي جهة ذات شمال الكهف أي جانبه الذي يلي المشرق، وقال غير واحد: هو من القرض عنى القطع تقول العرب: قرضت موضع كذا أي قطعته. قال ذو الرمة:
إلى طعن يقرضن أقواز مشرف ** شمالًا وعن إيمانهن الفوارس

والمراد تتجاوزهم {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مّنْهُ} أي في متسع من الكهف، وهي على ما قيل من الفجا وهو تباعد ما بين الفخذين يقال رجل افجي وامرأة فجواء، وتجمع على فجاء وفجا وفجوات. وحاصل الجملتين أنهم كانوا لا تصيبهم الشمس أصلًا فتؤذيهم وهم في وسط الكهف بحيث ينالهم روح الهواء، ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس، وذلك لأن باب الكهف كما قال عبد الله بن مسلم وابن عطية كان في مقابلة بنات نعش وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن، وهو الذي يلي المغرب، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبه، وتحلل عفونته وتعدل هواه ولاتقع عليهم فتؤذي أجسادهم وتبلي ثيابهم، ولعل ميل الباب إلى جانب المغرب كان أكثر ولذلك وقع التزاور على كهفهم والقرض على أنفسهم؛ وقال الزجاج: ليس ذلك لما ذكر بل لمحض صرف الله تعالى الشمس بيد قدرته عن أن تصيبهم على منهاج خرق العادة كرامة لهم وجيء بقوله تعالى: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مّنْهُ} حالًا مبينة لكون ما ذكر أمرًا بديعًا كأنه قيل ترى الشمس تميل عنهم يمينًا وشمالًا ولا تحوم حولهم مع كونهم في متسع من الكهف معرض لإصابتها لولا أن كفها عنهم كف التقدير، واحتج عليه بقوله تعالى: {ذلك مِنْ ءايَاتِ الله} حيث جعل {ذلك} إشارة إلى ما ذكر من التزاور والقرض في الطلوع والغروب يمينًا وشمالًا، ولا يظهر كونه آية القول السابق ظهوره على قوله فإن كونه آية دالة على كمال قدرة الله تعالى وحقية التوحيد وكرامة أهله عنده سبحانه على هذا أظهر من الشمس في رابعة النهار. وكان ذلك قبل سد باب الكهف على ما قيل، وقال أبو علي: معنى تقرضهم تعطيهم من ضوئها شيئًا ثم تزول سريعًا وتستد ضوءها فهو كالقرض يسترده صاحبه، وحاصل الجملتين عنده أن الشمس تميل بالغدو عن كهفهم وتصيبهم بالعشيء إصابة خفيفة، ورد بأنه لم يسمع للقرض بهذا المعنى فعل ثلاثي ليفتح حرف المضارعة، واختار بعضهم كون المراد ما ذكر إلا أنه جعل تقرضهم من القرض عنى القطع لا بالمعنى الذي ذكره أبو علي لما سمعت وزعم أنه من باب الحذف والإيصال والأصل تقرض لهم وأن المعنى وإذا غربت تقطع لهم من ضوئها شيئًا، والسبب لاختياره ذلك توهمه أن الشمس لو لم تصب مكانهم أصلًا لفسد هواؤه وتعفن ما فيه فيصير ذلك سببًا لهلاكهم وفيه ما فيه، وأكثر المفسرين على أهم لم تصبهم الشمس أصلًا وإن اختلفوا في منشأ ذلك.
واختار جمع أنه لمحض حجب الله تعالى الشمس على خلاف ما جرت به العادة قالوا: والإشارة تؤيد ذلك أتم تأييد والاستبعاد مما لا يلتفت إليه لاسيما فيما نحن فيه فإن شأن أصحاب الكهف كله على خلاف العادة.
وبعض من ذهب إلى أن المنشأ كون باب الكهف في مقابلة بنات نعش جعل ذلك إشارة إلى إيوائهم إلى كهف هذا شأنه وبعض آخر جعله إشارة إلى حفظ الله تعالى إياهم في ذلك الكهف المدة الطويلة وآخر جعله إشارة إلى إطلاعه سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم على أخبارهم. واعترض على الأخيرين بأنه لا يساعدهما إيراد ذلك في تضاعيف القصة، وجعله بعضهم إشارة إلى هدايتهم إلى التوحيد ومخالفتهم قومهم وآباءهم وعدم الاكتراث بهم ولكهم مع حداثتهم وإيوائهم إلى كهف شأنه ذلك ولا يخلو عن حسن وإليه أميل والله تعالى أعلم.
وقرئ {يقرضهم} بالياء آخر الحروف ولعل الضمير عائد على غروب الشمس.
وقال أبو حيان: أي يقرضهم الكهف {الله مَن يَهْدِ الله} من يدل سبحانه دلالة موصولة إلى الحق ويوفق لما يحبه ويرضاه {فَهُوَ المهتد} الفائز بالحظ الأوفر في الدارين، والمراد إما الثناء على أصحاب الكهف والشهادة لهم بإصابة المطلوب والإخبار بتحقق ما أملوه من نشر الرحمة وتهيئة المرفق أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المشفع بها من وفقه الله تعالى للتأمل فيها والاستبصار بها فالمراد بمن إما الفتية أو ما يعمهم وغيرهم وفيه ثناء عليهم أيضًا وهو كما ترى.
وجعله بعضهم ثناء على الله تعالى لمناسبة قوله سبحانه: {وزدناهم هُدًى} [الكهف: 13] {وربطنا} [الكهف: 14] وملاءمة قوله عز وجل: {وَمَن يُضْلِلِ} يخلق فيه الضلال لصرف اختياره إليه {فَلَن تَجِدَ لَهُ} أبدًا وإن بالغت في التتبع والاستقصاء {وَلِيًّا} ناصرًا {مُّرْشِدًا} يهديه إلى الحق ويخلصه من الضلال لاستحالة وجوده في نفسه لا أنك لا تجده مع وجوده أو إكانه إذ لو أريد مدحهم لاكتفى بقوله تعالى: {فَهُوَ المهتد} وفيه أنه لا يطابق المقام والمقابلة لا تنافي المدح بل تؤكده ففيه تعريض بأنهم أهل الولاية والرشاد لأن لهم الولي المرشد، ولعل في الآية صنعة الاحتباك.